عدد الرسائل : 131 العمر : 39 الموقع : https://fast-t7mel.mam9.com تاريخ التسجيل : 23/10/2008
موضوع: لماذا تخلف المسلمون4؟ الأحد نوفمبر 02, 2008 1:22 am
لماذا تخلف المسلمون؟ "4"
المفكر الفرنسي الشهير "روجيه جارودي" الذي اعتنق الإسلام بعد رحلة طويلة بدأها باعتناق الشيوعية، وختمها بأن أعلن أنه على الغرب أن يعترف بأنه مدين للحضارة الاسلامية، وأن يغير موقفه المتعنت من الإسلام.
وبعد سنوات من الدراسة المتعمقة للإسلام أصدر كتابه الشهير (وعود الإسلام) رد فيه على الاتهامات الظالمة التي توجه للإسلام في الغرب، وعندما أراد تشخيص –وتلخيص- أسباب تخلف المسلمين رأى أن السبب الأول والأهم هو العقول المغلقة.
وأسس "جارودي" فكرته على أن الإسلام نجح في عصوره الأولى في إدماج أفضل ما في الثقافات والحضارات الأخرى في ثقافته وحضارته، ولم يرفضها ولم يغلق المسلمون الأبواب على أنفسهم، ولم يرفضوا التجديد والأخذ والعطاء مع الآخر.. ولذلك رأى أن ما يحتاجه المسلمون اليوم ليتخلصوا من حالة التخلف أن يبدأوا الانفتاح العقلي قبل الانفتاح الاقتصادي،؛ لأن العقل المغلق عقبة تحول دون التقدم في أي مجال وتؤدي إلى الجمود العقائدي والسياسي والثقافي.
العقل المغلق هو الذي فرض الظلام والجهل والتخلف في العالم الإسلامي، وأكبر مثال على ذلك ما صار إليه حال أفغانستان وشعبها في ظل حكم طالبان، وهذا العقل المغلق هو الذي أدى بجماعات من الشباب المسلم إلى الإرهاب بمفهوم منحرف عن الجهاد. يقول "جارودي" إن الجهاد في الإسلام له مفهوم أوسع من معنى القتل والحرب، فهو يعني الجهد، فالعمل جهاد، ولو أن الله أراد الحرب لقال: "وحاربوا في سبيل الله"، ولكن الرسول الكريم حدد الجهاد الحقيقي في الحديث: "رجعنا من الجهاد الأصغر (القتال) إلى الجهاد الأكبر، جهاد النفس"، وهذا درس لهؤلاء الذين يريدون تغيير كل شيء إلا أنفسهم!
ويدلل "جارودي" على كراهية الإسلام للاعتداء على الآمنين بالإشارة إلى ما كان يفعله الصليبيون في القدس من المذابح الوحشية ضد المسلمين وهم يصيحون (إنهم كفرة)! وكيف أقيمت المذابح بالجملة في إسبانيا (الأندلس) للمسلمين، وكيف كان المهاجرون الأوروبيون يرتكبون أبشع الجرائم لقتل الهنود الحمر في أمريكا، وكلهم كانوا يرفعون راية (الجهاد الديني) والدين المسيحي بريء مما كانوا يفعلون.. بينما كانت حضارة الإسلام في عصوره الأولى قائمة على مبادئ أرساها الرسول الكريم: "لا تقتلوا طفلاً، ولا شيخاً، ولا امرأة، ولا تقتلوا شاة ولا بقرة، ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه)، فهل هناك سلوك أكثر رقياً وإنسانية من ذلك (فأين ذلك مما تفعله أمريكا في العراق وما تفعله إسرائيل في فلسطين؟). وأين ذلك مما تفعله جماعات الإرهاب باسم الإسلام الذين لم ينج من أذاهم المسلمون أيضاً مخالفين بذلك تعاليم الرسول (صلى الله عليه وسلم): "كل المسلم على المسلم حرام، دمه، وماله، وعرضه".
ويضيف "جارودي" إلى أسباب تخلف المسلمين أنهم تخلوا في الاقتصاد عن مبادئ الإسلام التي تقوم على التوازن في توزيع الدخل، وتحريم الاحتكار، وجعل الملكية الفردية في صالح الفرد والجماعة دون أن يطغى أحدهما على الآخر، واعتبار آليات السوق وسيلة وليست غاية، وبدلاً من ذلك وقع المسلمون في الفخ الغربي، وجرى بعضهم إلى تقليد النموذج الغربي في جشع أصحاب الأعمال وسعيهم إلى جمع الثروات والأرباح دون كوابح أخلاقية، وإغراء الناس على المزيد من الاستهلاك ليحقق الرأسماليون والمحتكرون المزيد من الأرباح، مع أن القرآن يكرر التحذير من اكتناز الأموال،؛ لأن المال له وظيفة اجتماعية والرسول ينهى المسلمين صراحة عن الاحتكار وينذر بأن جزاءهم جهنم، ولو أن المسلمين اتبعوا دينهم لوجدوا العلاج للمشكلة الكبرى في النظام الرأسمالي الذي يؤدي إلى الاحتكار والتحكم في الأسعار، ويؤدي في النهاية إلى الأزمات الاقتصادية.. وقد تخلف المسلمون أيضا بانسياقهم مع التيار الوافد من بلاد غير إسلامية، والذي يحرض على ترك الدنيا وشئونها لغير المؤمنين، وأن يتفرغ المؤمن للعبادة، مع أن القرآن يرفع شأن العلم والعلماء.
وفي الحديث: "من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله طريقه إلى الجنة"، والحديث: "يوزن مداد العلماء يوم القيامة بدماء الشهداء" والقرآن يوجه المسلمين إلى المنهج العلمي القائم على الملاحظة والتجربة، ويأمرهم بأن ينظروا في الآفاق وفي أنفسهم، وباختصار فإن المسلمين أسسوا نهضة بالمعنى الكامل شملت الصناعات، والبحث العلمي، والثقافة، وهم أول من طبق سياسة الانفتاح على العالم، وأخذوا من القديم والحديث، ومن الشرق والغرب، وتفاعلوا مع الحضارات والثقافات، ووضعوا العلماء في أعلى مكانة، بينما كانت أوروبا تحكم بالإعدام على العلماء؛ لأنهم اكتشفوا أن الأرض كروية، وأنها تدور حول نفسها وليس حول الشمس كما كانت الكنيسة تفرض ذلك.. والعقول المغلقة هي التي أنتجت التعصب والتشدد مخالفة تحذير الرسول (صلى الله عليه وسلم): "هلك المتنطعون".
باختصار، تقدم المسلمون عندما كانوا مسلمين بحق، وتخلفوا عندما شوه أصحابُ العقول المغلقة مبادئ الإسلام.